المقاطعة من الكلمات والأفعال التي لطالما ولدت الكثير من الجدل حول جدواها، وفاعليتها الحقيقية. فبعد كل حدث جلل تتصاعد دعوات مقاطعة منتجات بلد معين، أو ماركات معينة داعمة للاحتلال، أو داعمة لأعمال معادية للعرب وللمسلمين. فهل هي مجدية فعلًا؟ وهل هناك قصص نجاح لحملات مقاطعة يمكن استلهام القوة والدافعية منها؟ هذا ما سنوضحه في هذا المقال.

ما هي المقاطعة؟

هي التوقف عن شراء سلع تابعة لدول تتبنى أفكار وأفعال معادية، أو تدعم العدو بكل وضوح وصراحة. قد تكون مقاطعة المنتجات من بلد أو فقط من علامات تجارية بعينها أعربت عن دعمها، وتمويلها للمحتل. قد تكون مقاطعة البضائع صعبة في بدايتها حيث تعتبر عاداتنا الاستهلاكية جزءاً من شخصيتنا، وهويتنا في الكثير من الأحيان، ولكن هي بالتأكيد ليست مستحيلة، خصوصًا مع وجود البدائل المشابهة في الجودة.

في العقود الأخيرة تصاعدت دعوات مقاطعة المنتجات الإسرائيلية والأمريكية ومنتجات لبعض الدول الأوروبية لعدة أسباب، أبرزها الاحتلال الجائر للأراضي الفلسطينية، وجرائم الاحتلال المستمرة، وتستر القوى الغربية عليها، بل ودعمها في الكثير من الأحيان. بالإضافة إلى دعوات مقاطعة بضائع الدنمارك وفرنسا بسبب الرسومات المسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام، والتي تكررت عدة مرات في العقدين الأخيرين.

كل من موجات المقاطعة المذكورة كان لها أثر، واستمرارية مختلفة، ولكن يتوقع الخبراء والمراقبون أن حملات المقاطعة الأخيرة، والتي اشتدت منذ بدء العدوان على غزة في أكتوبر 2023، هي ذات طابع مختلف، بسبب حجم الإجرام غير المسبوق، والدعم والتستر الغربي المستمرين.

ما الذي يحدث عندما نقاطع؟

  • ستتراجع مبيعات الشركات المقاطعة، حتى وإن كان التراجع ضئيلًا في البداية، وبدأ المعارضون لفكر المقاطعة بنشر رسوم بيانية تبين حجم الخسائر الضئيل جدًا، إلا أنها وعلى المدى الطويل لها تأثير كبير على دخل الشركة وأرباحها.

  • ولا تقتصر خسارة الشركات، والاقتصادات على الخسائر المادية في العوائد، والأرباح وأسعار الأسهم، بل لعل الخسارة الأكبر هي الخسارة الدعائية. تؤثر حملات المقاطعة بشكل كبير على سمعة الشركات، والعلامات التجارية، وتؤذي بشكل مباشر جهود التسويق، والدعاية والإعلان التي تحتاج لشهور، وأحيانًا لسنوات لتؤتي ثمارها. حيث تُنفق الشركات، والعلامات التجارية الكثير من المال، والمجهود والوقت لبناء سمعة تُغري المستهلك، وتشجعه على شراء منتجاتها. لعل مجهود التسويق في عالم الأعمال والتجارة هو الأكثر إرهاقًا، والذي يحتاج إلى الكثير من الوقت للحصول في نهاية المطاف على ثقة المستهلك، وبالتالي زيادة المبيعات.

  • المقاطعة والبديل كلمتان متلازمتان، فمع ترك المستهلك للمنتجات القادمة من دول معادية، أو داعمة للعدو، سيتوجه بالتأكيد لإيجاد منتج بديل. وفي الكثير من الأحيان يكون البديل منتجًا محليًا، أو عربيًا. مما يعني زيادة المبيعات لدى الشركات المحلية والعربية، وبالتالي زيادة إنتاجيتها، وتصاعد احتياجها للأيدي العاملة، مما يعني المزيد من فرص العمل للشباب في الوطن، وفي العالم العربي. وبهذا تلعب المقاطعة دورًا له أثر الفراشة يصل لتنمية الاقتصادات المحلية بشكل مستدام.


هل تفيد المقاطعة فعلًا؟

لا نحتاج إلى الكثير من البيانات الاقتصادية والرسومات التوضيحية المليئة بالأرقام، لكي ندرك حجم تأثير المقاطعة على الدول، والشركات. يكفي أن نراقب العروض والتنزيلات غير المسبوقة التي تروج لها هذه الشركات، أو التحدث مع من يعملون في مجال التسويق والإعلان ليحدثونا عن كيف تهرع إليهم الماركات والشركات المختلفة لتجد طريقة جديدة تستعيد من خلالها ثقة المستهلكين، واسترجاعهم كعملاء وزبائن مخلصين كما كانوا قبل المقاطعة.

ولعل ما حدث خلال الأسابيع القليلة الماضية من سحب علامة زارا لحملتها الدعائية المهينة، ونشرها اعتذار وتوضيح دليل على أهمية رأي المستهلك. ولا ننسى انتصار حركة المقاطعة لعلامة بوما التي أعلنت إيقاف تعاقدها مع فريق كرة قدم كيان الاحتلال، وبالرغم من نفي إدارة بوما أنها فعلت ذلك بسبب مقاطعة الكثيرين لها، إلا أنه من الواضح من خلال التصريحات أن العلامة التجارية تود كسب ود مستهلكيها من العالم العربي من جديد.

لو لم تكن المقاطعة ناجحة لما علت الكثير من الأصوات لمحاربتها، وللتقليل من فاعليتها. لذلك علينا الاستمرار بمقاطعة المنتجات، فعلى ما يبدو أنها ناجحة.